بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا محمد و آله وسلم
التصوف و آل البيت الكرام
عليهم السلام
يقول الدكتور الشريف محمد حمزة بن علي الكتاني؛
في مقدمة تحقيقه لكتاب "مرآة المحاسن" :
عند عرضنا لسلاسل أسانيد التصوف نجد كثيرا منها
يرتبط بأئمة آل البيت عليهم السلام،
خاصة الإمام ـ سيدنا ـ جعفر الصادق و ولده
ـ عليهما السلام ـ ؛ وبغض النظر عن صحة
تلك السلاسل و عدمها ؛ فإنه ما من شك
أن إمام الصوفية في وقته: معروفا الكرخي
كان تلميذا للإمام علي الرضا بن موسى الكاظم
بن جعفر الصادق عليهم السلام، بل
أسلم على يديه، وعنه أخذ
السري السقطي وبه اهتدى.
و لا ينكر مطلع على تاريخ التصوف و مذاهبه
التعظيم الخاص الذي يوليه الصوفية
لللأئمة الاثني عشر: ـ سيدنا ـ محمد بن الحسن العسكري
و آبائه إلى سيدنا علي عليهم السلام؛
و اعتبارهم أن أول الأقطاب في الإسلام
هو الحسن بن علي أو والدته سيدتنا
فاطمة الزهراء ـ عليها سلام الله ـ .
بل صرح جملة من متقدميهم ـ بله متأخريهم ـ
بذلك ، فقد قال سيد الطائفة الجنيد رضي
الله تعالى عنه فيما رواه عنه أبو عبد الرحمن
السلمي : << صاحبنا في هذا الأمر بعد
النبي صلى الله عليه و آله و سلم : علي
بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ ذلك امرؤ أعطي
علما لدنيا >> ، و قال كذلك فيما رواه عنه
أبو نصر الطوسي في " اللمع":
<< رضوان الله على أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ
لولا أنه اشتغل بالحروب لأفادنا
من علمنا هذا معاني كثيرة>>.
و قال الحافظ أبو العباس يوسف
الفاسي في " المنح الصافية " :
<< قال الشيوخ رضي الله عنهم في حق علي
عليه السلام : إنه أعطي العلم اللدني ، و لاتصح
النسبة إلى الولاية ـ التي هي منبع الولاية ـ التي
هي منبع الولاية الحقيقية و المعارف الإلهية ـ إلا من جهته
و حقيقته، فهو إمام الأولياء المحمديين كلهم،
و أصلهم ، و منشأ انتسابهم إلى الحضرة المحمدية..>>.
و قال الإمام الحرالي : << سلسلة أهل الطريق تنتهي من كل وجه
من جهة المشايخ و المريدين إلى أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ...>>.
ثم إن أغلب مشايخ الطرق الكبار ينتسبون لآل البيت الكرام،
كالشيخ عبد القادر الجيلاني، و الشيخ أحمد الرفاعي،
و الإمام البدوي ، و الشيخ عبد السلام بن مشيش،
و الإمام الشاذلي .... وغيرهم ـ رضوان الله عليهم جميعا ـ.
نقاط الإتفاق بين الصوفية و شيعة آل البيت عليهم السلام
مسألة عصمة الأئمة:
يجتمع الشيعة و الصوفية في مسألة عصمة الأئمة،
و أن الإمام المعصوم لا يكون إلا من آل البيت الكرام.
فالشيعة الإمامية يفهمون ذلك على ظاهره ؛
و أن عصمتهم كعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
أما الصوفية ؛ فيرون أن العارف يصل إلى مرتبة من
الولاية و الصفاء ، والتعلق بالله تعالى ، والشهود الإلهي؛
بحيث لولا النصوص الشرعية في انفراد الأنبياء بالعصمة،
لشهدنا لهم بذلك ، وفقا لقوله تعالى < إن عبادي ليس
لك عليهم سلطان> ـ الإسراء:65. وأن ذنوبهم ليست من نوع ذنوب العامة؛
إنما هي نوع خاص من الذنوب ـ خاصة فيما يتعلق بأعمال القلوب ـ
لم يعصم منه إلا الأنبياء عليهم السلام.
القطب أو الغوث لا يكون إلا من آل البيت الكرام
و القطب أو الغوث لا يكون إلامن آل البيت الكرام،
و يمكن مقارنة مقامه بمقام الإمامة عند الشيعة ؛ بله مقام الختمية
الذي هو أرفع و أمكن من القطبية و الغوثية.
والقطب لا يرقى إلى مقام القطبية إلا بعد وفاة قطب قبله،
و الشيخ الوارث لا يبلغ مقام المشيخة إلا بعد توصية
شيخه له بذلك توصية روحية. و للصوفية أدلة على ذلك ليس
المحل محل تفصيلها.
مسألة تعظيم آل البيت عليهم سلام الله
و لاشك أن من أساسات عقيدة الإسلام تعظيم آل البيت النبوي
لقوله تعالى << قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى>> ـ الشورى:23.
و قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح:
<< إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي؛
أحدهما أعظم من الآخر؛وهو: كتاب الله حبل ممدود من
السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقى
حتى يردا علي الحوض؛ فانظروا كيف تخلفوني فيهما...>> الحديث.
استنتاج
و يخلص الباحث الكريم في آخر بحثه إلى نتيجة مفادها أن :
الطريقة الصوفية هي الإمتداد الحقيقي لمذهب آل البيت الكارام؛
يعني المحققين من الصوفية ، لا أهل الأهواء و البدع.
المصدر : مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن
و نبذة عن نشأة التصوف و الطريقة الشاذلية بالمغرب
تأليف : الإمام أبي حامد محمد العربي بن يوسف الفاسي
الفهري< 988 ـ 1052.>
تحقيق : الشريف محمد حمزة بن علي الكتاني
منشورات رابطة أبي المحاسن ابن الجد
ـ الصفحة 14 و مابعدها ـ مع شيء من التصرف.