الكتاب : السيدة زينب عقيلة بني هاشم (ع)
المؤلف : الباحثة الإسلامية الحجة الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) أستاذة الدراسات القرآنية العليا بجامعة القرويين – المغرب
سنة الطبع : صدر لأول مرة عام 1952م ثم طـُبع عدة طبعات بعدها...
مئات الكتب دوّنت تاريخ السيدة زينب ولا أعتقد أني مبالغ إذا قلت ألوف الكتب...
و مئات الكتَّاب الذين كتبوا في شخصية عظيمة خلدها التاريخ ألا وهي شخصية القائدة العظيمة السيدة زينب (ع)...
قرأت بعضاً من هذه الكتب فازداد هوى نفسي للقراءة...
و قد تفاوتت هذه الكتب في فهمها وإحاطتها بحياة السيدة زينب (ع) فمنها ما تعلَّقت بعناوينه وبعض فقراته ومنها ما شدّني بكل محتواه، من الغلاف إلى الغلاف...
و مثال على هذه الأخيرة كتاب (السيدة زينب عقيلة بني هاشم) لبنت الشاطئ رحمها الله وأسكنها فسيح جناته...
شدتني لكتابها فقرأته عدة مرات وكلما انتهيت من قراءته أترحم على روح بنت الشاطئ الإنسانة المسلمة والدارسة الواعية والأستاذة الفقيهة والحجة التي تُعتَمَد أقوالها فهي التي دخلت في شخصية السيدة زينب وقرأتها وعالجتها فكانت منصفة في أقوالها... رمت الخوف جانباً وتوكلت على الله ثم على تربيتها ونشأتها التي استندت على حب محمد وأهل بيته الأطهار فهي ليست إنسانة عادية بل هي أستاذة الدراسات القرآنية العليا في جامعة القرويين بالمغرب ولها نشاطاتها وأدوارها المختلفة ولكنها عرفت حقاً أن من يكتب في أهل البيت وينقل أحاديثهم ويصف أحاسيسهم ويعلِّم بعلومهم يجب أن يكون منصفا غير منحاز لجهة مهما تلقى من ضغوطات وضربات فأمسكت القلم بعد قراءة مستفيضة في أدوار حياة السيدة زينب وخصوصياتها فناقشت حياة هذه الشخصية وأعطت للنفوس بكتاباتها دواء مقروناً بالشفاء بإذن الله تعالى...
و لكي يشاركني القارئ الكريم في لذة قراءة هذا الكتاب فقد التقطت له بعض الصور الجميلة التي نقلتها بنت الشاطئ في كتابها السيدة زينب عقيلة بني هاشم ؛ فهي تقول في إهدائها لكتابها هذا إلى أبيها الشيخ محمد علي عبد الرحمن :
(ذكرتك يا أبي وأنا أكتب كل كلمة في هذا الكتاب فلما فرغت منه شعرت كأنما كنتَ معي... تكتبه لي وتمليه علي... ولم أنسَ يا أبي على بعد العهد وتطاول الأيام، مجلسك فينا تحدثنا عن آل البيت الكرام أولئك الذين أشربتنا منذ الصغر حبهم وعلمتنا أن نزهو بشرف انتسابنا إليهم... أذكرها يا أبي ليلة من ليالي شهر رجب وقد رأيناك تتهيأ للسفر في غد إلى القاهرة وأمُّنا الغالية تترقب ساعة الوضع فالتمسناك وأنت في خلوتك تتهجد، ورجوناك أن تلغي سفرك ذاك وترجئه، قلت لنا : لا تخافا ولا تحزنا فالله معها. ومضيت تحدثنا عن رحلتك التي لم تكن تستطيع أن ترجئها لأنك تؤدي بها واجباً مفروضاً هو المشاركة بالاحتفال بذكرى السيدة زينب...).
و تقول بنت الشاطئ في مقدمة الكتاب :
(هذا الكتاب ليس تاريخاً بحتاً وإن أخذ مادته كلها من مراجع تاريخية أصيلة، كما إنه ليس قصة خالصة وإنما هو صورة لأنثى قدر لها أن تعيش في فترة تعج بجليل الأحداث. اقترن اسمها في تاريخنا والتاريخ الإنساني بمأساة كربلاء، وما أحسبُني أغلو وأسرف إذا زعمت أنّ موقف السيدة زينب بعد المذبحة هو الذي جعل من كربلاء مأساة خالدة).
ثم تدخل في بحثها الأول فتقرأ حياة السيدة زينب في بيت النبوة وتقول:
(كان البيت الكريم ينتظر ساعة الوضع في لهفة وترقُّب ومن ورائه عشرات الألوف ممَّن أسلموا، يترقبون النبأ السعيد وقلوبهم تحف بالسيدة الوالدة إجلالاً ومحبة، إنها الزهراء بنت النبي توشك أن تضع في بيت النبوة مولوداً جديداً بعد أن أقرَّت عيني الرسول بسبطيه الحبيبين الحسن والحسين وثالث لم يقدر لــــــه أن يعيش هو المحسن بن علي وحانت الساعة المرتقبة... وأذيعت البشرى أن الزهراء قد وضعت أنثى باركها النبي وأختار لها اسم زينب، وتعالى هتاف المدينة للوليدة. أجل تعالى هتاف المدينة للوليدة الغالية زينب بنت علي تلك التي تلاقى فيها أعز ما عرفت قريش والعرب من كريم الأصول ونقيّ السلالات ؛ أمها الزهراء أحب بنات الرسول إليه، آثرها الله فكتب لها أن تكون ـ وحدها ـ الوعاء الطاهر للسلالة الطاهرة والمنبت الطيب لدوحة الأشراف من آل البيت... وأبوها علي بن أبي طالب ابن عم النبي ووصيه وول من آمن به صبياً وفتى قريش شجاعةً وتقىً وعلماً، وجدَّاها لأمها محمد رسول الله وخديجة بنت خويلد ولى أمهات المؤمنين وأقرب زوجات النبي إليه وأعزهن عليه حية وميتة، انفردت بحبه وإعزازه خمساً وعشرين سنة لا تشاركها فيه امرأة أخرى).
و تسترسل الدكتورة بنت الشاطئ بتوضيح مفصل حول نسب السيدة زينب (ع) وانتقلت لتلقي ضوءاً على ساعات القدوم المباركة فتنقل لنا تلك الظلال الحزينة التي تلف المهد الجميل ! ظلال لها مكانها في النفس البشرية ووقعها على الوجدان وتقول :
(حدثوا أن نبوءةً ذاعت عند مولد الطفلة تشير إلى دورها الفاجع في مأساة كربلاء وتُحُدِّثَ بظهر الغيب عما ينتظرها في غدها من محن وآلام). وقد روت الكاتبة عن مسند ابن حنبل أن جبريل أخبر محمداً بمصرع الحسين وآل بيته في كربلاء.
ثم تنتقل الدكتورة بنت الشاطئ إلى صبا زينب الحزين حين لبى جدها (ع) نداء ربه بعد أن فتح مكة وطهَّر البيت الحرام من الأوثان، وتلقّى بيعة قومه الذين دخلوا دين الله أفواجاً، وتتمثّل الكاتبة السيدة زينب الصبية بمواقف عدة أثناء وبعد رحيل أعظم راحل جدها رسول الله (ص) وانتقيت من المشاهد التي تمثلتها الكاتبة قولها :
اتمثَّلها ثم أرنو إليها وهي تلوذ بحضن أمها الزهراء تلتمس مأمنا من خوف وفزع...
و تنعطف الطفلة إلى أبيها فتراه بادي الهم والحزن يتحدث شاكياً عن حق للأسرة اغتُصِب، ومكانةٍ جُحِدت، وقربى من الرسول أُهدِرت، وينظر في قلق وجزع إلى زوجه الغالية وقد أضناها حزنها على أبيها وآلمها جحود القوم لحقها).
و تستمر الكاتبة في سرد حقائق مرت بها الصبية زينب بعد رحيل جدها المصطفى رسول الله (ع) فتقول:
(حدث هذا بمرأى من الصبية ومسمع، وما أحسبها نسيت مع الأيام مشهدا أليماً طالعته في صباها حين ذاك...).
و الدكتورة بنت الشاطئ روت هذا المشهد الأليم في صفحات كتابها الذي نطالع فيه تفاصيل اقتحام دار الزهراء في الصفحات 36-37-38...
و بعد هذه المأساة تروى الكاتبة المآسي التي حلت بالسيدة زينب الصبية عندما رحلت أمها الزهراء (ع) بعد النبي (ع) بأشهر وركزت الكاتبة على وصية الزهراء لزينب (أن تصحب أخويها وترعاهما وتكون لهما من بعدها أماً). ولم تنس زينب هذه الوصية أبداً كما تقول الكاتبة.
و في مبحثها التالي من هذا الكتاب تنتقل الكاتبة لتتحدث عن عقيلة بني هاشم الزوجة فتقول :
(اختار علي لفتاته حين بلغت مبلغ الزواج من رآه جديراً بها حسباً ونسباً).
فكان عبد الله بن جعفر أحق بزهرة آل البيت وعقيلة بني هاشم ؛ الذي قال فيه رسول الله (ص) كما تقول الكاتبة نقلاً عن ابن حجر في الإصابة (وأما عبد الله فيشبه خُلُقي وخَلقي) ثم أخذ بيمينه فقال : (اللهم اخلف جعفراً في أهله وبارك لعبد الله في صفقه يمينه ـ قالها ثلاث مرات ـ وأنا وليُّهم في الدنيا والآخرة).
و تسترسل الكاتبة في قراءتها لحياة السيدة فتقول :
(وأثمر الزواج المبارك لعبد الله أربعة بنين علياً ومحمداً وعوناً الأكبر وعباساً كما ولدت له فتاتين، ولم يفرق الزواج بين زينب وأبيها وأخوتها).
ثم تنتقل الكاتبة إلى مرحلة أخرى من حياتها وتصور لنا حياة السيدة وهي تستعد للرحيل إلى كربلاء وتسبق ذلك بحديثها عن نذر العاصفة وما تلقته زينب (ع) من هموم وصعاب قبل ذلك، هذه الصعاب التي تضيق بها هذه الصفحات، وعلى من أراد الرجوع إليها أن يطالع الصفحات (58-70) من الكتاب.
و قد فصّلت الكاتبة حول الفتنه التي واجهت خلافة الإمام علي (ع) فقالت :
(وتوارت زينب فلم نلمح لها أثراً ولم نسمع لها صوتاً، ذلك أن القدر كان يدخرها لبطولة من نوع آخر ويحتفظ بها وراء الستار حين يحين وان ظهورها في كربلاء بعد ربع قرن من الزمان لكنها مع ذلك كانت هناك في دار الخلافة حيث مركز الأحداث وقطب رحاها كانت هناك ترمق أباها أمير المؤمنين في حب وقلق وهو يخوض المعركة تلو المعركة، ويفرغ من موقعة الجمل ليلقى معاوية في صفين ثم يفرغ منه ليلقى الخوارج في النهروان هكذا مدى خمس سنوات لم يهدأ فيها يوماً).
ثم تحدثت الكاتبة عن ليلة استشهاد أمير المؤمنين وموقف زينب فيها والحالة التي مرت بها هي وأسرتها فتنقل في صفحات تالية موقف أم المؤمنين عائشة حين أتاها نعي أمير المؤمنين في الصفحات (73-75).
و تتحدث الكاتبة بعد ذلك عن ما بعد الإمام علي أي دور الإمام الحسن الذي انتهى بعد عشر سنوات حاول في ولها أن يقف لخصمه الداهية فخذله أهل الكوفة، ثم استطردت تقول :
(وإذ ذاك تنازل عن الخلافة... وانصرف الإمام الحسن بعد تنازلـه عن الخلافة إلى المدينة فأقام بها ثماني سنوات...).
ثم تابعت الكاتبة حديثها عن مقتل الإمام الحسن وأسبابه في الصفحات (75-77).
ثم انتقلت الكاتبة في سردها لأدوار السيدة زينب (ع) بعد ذلك إلى واقعة كربلاء والدور الريادي الذي أنيط بها في هذه المهمة الشاقة التي هُيِّئَت لها منذ ولادتها قبل خمسة وخمسين عاماً من هذه الواقعة واختتمت كتابها المؤلف من 170 صفحة بقولها :
(أجل هي زينب التي جَـعلَت من مصرع أخيها الشهيد مأساة خالدة).
وكذلك كانت زينب عقيلة بني هاشم في تاريخ الإسلام وتاريخ الإنسانية بطلة استطاعت أن تثأر لأخيها الشهيد العظيم...
ووضحت الكاتبة بنت الشاطىء في ختام ما كتبت أن السيدة زينب بهذا الدور الريادي سلَّطَت معاول الهدم على دولة الظالمين وغَيَّرَت مجرى التاريخ...
وبختام زاويتنا هذه نتضرع لكل من كتب حقاً وصدقاً بمحمد وعترته الطاهرة كل الرحمة وواسع المغفرة ونخص في زاويتنا هذه الكاتبة الباحثة الإسلامية الحجة الدكتورة عائشة بنت الشاطىء رحمها الله وأسكنها فسيح جنانه إنه سميع مجيب الدعاء
بيت النجمة المحمدية