هي السيّدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم سابع أئمة أهل البيت عليهم السّلام وأخت الإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام لأمّه وأبيه، سليلة الدوحة النبويّة المطهّرة، وغصن يافع من أغصان الشجرة العلوية المباركة، وحفيدة الصدّيقة الزهراء عليها السّلام، المحدِّثة، العالمة، العابدة. اختصّتها يد العناية الإلهيّة فمنّت عليها بأن جعلتها من ذريّة أهل البيت المطهّرين. حدّثت عن آبائها الطاهرين عليهم السّلام، وحدّث عنها جماعة من أرباب العلم والحديث، وقد ورد في بعض التواريخ أنّ الإمام الرضا عليه السّلام لقّبها بالمعصومة.
كانت ولادتها في مدينة جدها رسول الإسلام صلى الله عليه وآله في الأول من ذي القعدة عام 173 هـ. وترعرت في بيت الإمام الكاظم عليه السّلام، فورثت عنه من نور أهل البيت عليهم السّلام وهديهم وعلومهم في العقيدة والعبادة والعفّة والعلم، وعُرفت على ألسنة الخواصّ بأنّها كريمة أهل البيت عليهم السّلام.
نشأت السيّدة فاطمة تحت رعاية أخيها الإمام الرضا عليه السّلام، لأنّ هارون العبّاسي أمر بأبيها عام ولادتها، فأودعه سجونه الرهيبة الواحد تلو الآخر، إلى أن اغتاله بالسمّ عام 183هـ ببغداد، فعاشت السيّدة المعصومة عليها السّلام مع إخوتها وأخواتها في كنف الإمام الرضا عليه السّلام. وقد أجمع أصحاب السير والتراجم على أنّ أولاد الإمام الكاظم عليه السّلام كانوا أعلاماً لائحة في العبادة والتقوى والنُّسك.
عاصرت السيّدة المعصومة عليها السّلام بعضاً من عهد المأمون العبّاسيّ الذي عُرف بالدهاء؛ وكان قد خطّط لإخماد ثورات الطالبيين بالحيلة والمكر، فتوسّل - كما فعل أبوه من قبل - بشعار(الرضا من آل محمّد عليهم السّلام)، إلاّ أنّه قدّمه في صيغة جديدة هي إسناده ولاية العهد إلى الإمام الرضا عليه السّلام، وهو الذي أقرّ له المخالف والمؤالف بالفضل والعلم والتقدّم، ووجّه إليه عام 200 هـ مَن حمله وجماعة من آل أبي طالب من المدينة المنورة إلى خراسان، ثمّ بعث إليه الفضلَ بنَ سهل وأخاه الحسن ليعرضا عليه تقلّد ولاية العهد فأبى، فلم يزالا به وهو يأبى، إلى أن قال له أحدهما: والله، أمرَني (المأمون) بضرب عُنقك إذا خالفتَ ما يريد.
اكتنفت السيّدةَ المعصومة عليها السّلام ـ ومعها آل أبي طالب ـ حالةٌ من القلق الشديد على مصير الإمام الرضا عليه السّلام منذ أن استقدمه المأمون إلى خراسان. لقد كانوا في خوف بعدما أخبرهم أخوها أبو الحسن الرضا عليه السّلام أنّه سيُستشهد في سفره هذا إلى طوس خاصّة وأنّ القلوب الكليمة ما تزال تَدمى لمصابهم بالكاظم عليه السّلام الذي استُقدم إلى عاصمة الحكم بغداد، فلم يخرج من سجونها وطواميرها إلاّ قتيلاً مسموماً. كلّ هذا يدلّنا على طرف ممّا كان يعتمل في قلب السيّدة المعصومة عليها السّلام، ممّا حدا بها ـ حسب رواية الحسن بن محمّد القمّي في تاريخ قم ـ إلى شدّ الرحال، لتتحسّس عن أخيها الإمام.
وهكذا رحلت تقتفي أثر أخيها الرضا عليه السّلام، والأمل يحدوها في لقائه حيّاً، لكنّ وعثاء السفر ومتاعبه الذينِ لم تعهدهما كريمة أهل البيت أقعداها عن السير، فلزمت فراشها مريضة مُدنَفة، ثمّ سألت عن المسافة التي تفصلها عن قم ـ وكانت آنذاك قد نزلت في مدينة ساوه ـ فقيل لها إنّها تبعد عشرة فراسخ، فأمرت بإيصالها إلى مدينة قم، فحمُلت إليها على حالتها تلك، وحطّت رحالها في منزل موسى بن الخزرج بن سعد الأشعري الذي أكرمها إكراماً يليق بشأنها واستقبلها على رأس جماعة من العلماء والأشراف ورؤساء القبائل، حيث اخذ بزمام ناقتها وجرها مع حاشيتها إلى منزله، حتّى توفيّت سلام الله عليها بعد سبعة عشر يوماً. فأمرهم موسى بن الخزرج بتغسيلها وتكفينها، وصلّى عليها، ودفنها في أرض كانت له، وهي الآن روضتها، ثم بنى على قبرها سقيفة من البواري إلى أن قامت زينب بنت الإمام محمد الجواد ببناء قبة من الآجر عليه. وقد أم مدينة قم المقدسة بفضل دفنها فيها بمرور الزمن كثير من العلويين وأولاد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأصبحت هذه المدينة عش آل محمد (كما يطلق عليها في كتب الحديث والروايات)، ومركزاً من مراكز شيعة أهل البيت.
وحول طريقة استشهادها ذكرت بعض المصادر أنّ المأمون لمّا بلغته أخبار القافلة التي تحرّكت من المدينة إلى خراسان، وفيها اثنان وعشرون علَويّاً، وعلى رأسها السيّدة فاطمة بنت موسى عليها السّلام، وأنّ عدد أفراد القافلة يتعاظم كلّما تقدّمت في مسيرها، أوعز بالتصدّي لها، فتصدّى لها جماعة من جلاوزة النظام، وقتلوا وشرّدوا كلّ من كان فيها. وقيل إنّ السمّ دُسّ بعد ذلك إلى السيّدة المعصومة في مدينة ساوة، فلم تلبث إلاّ أيّاماً قليلة حتّى فارقت الحياة عام 201 هـ.
وروى الحسن بن عليّ القمّي أنّ فاطمة (المعصومة) ا لمّا توفيّت وغُسلّت وكُفّنت، حُملت إلى مقبرة (بابلان) ووضعت على حافّة سرداب حُفر لها، فاختلف آل سعد في مَن يُنزلها إلى السرداب، ثمّ اتّفقوا على أن يتولّى ذلك خادم لهم صالح كبير السنّ، فلمّا بعثوا إليه رؤوا راكبَين مُقبلَين من جانب الرملة وعليهما لِثام، فلمّا قَرُبا من الجنازة نزلا وصَلّيا عليها، ثمّ نزلا السرداب وأنزلا الجنازة ودفناها فيه، ثمّ خرجا ولم يُكلّما أحداً، وركبا وذهبا ولم يدرِ أحد مَن هما.
زواج السيّدة المعصومة
إنّ نظرة فاحصة إلى مُجمل الأوضاع العصيبة التي عاصرتها السيّدة المعصومة عليها السّلام، والضغط الشديد والارهاب الذين تعرض لهما العلويّون والطالبيّون في عهد الرشيد، انتهاءً بالاعتقال والقتل الفجيع الذي تعرّض له كبيرهم الإمام الكاظم عليه السّلام.. يجعلنا ندرك سبب عدم زواج السيدة المعصومة وأغلب بنات الإمام الكاظم عليه السّلام. ولقد كان العلويّون والطالبيّون مُلاحَقين مُشرّدين، يلاحقهم جلاوزة الرشيد أينما حَلُّوا. أما الأكفاء من الآخرين، فالظاهر أنّ أحداً منهم لم يجرؤ ـ وقد عرف عداء الرشيد للكاظم عليه السّلام ـ على التعرّض لسخط هارون من خلال مصاهرته للإمام الكاظم عليه السّلام، كما ندرك الحكمة التي جعلت الإمام الكاظم عليه السّلام ـ وهو العارف بهذا الظرف العصيب ـ يخصّص أرضاً معيّنة لتُوزّع عائداتها على بناته إن فقدن المُعيل الذي يُعيلهنّ. ويبقى أمر عدم زواج السيّدة المعصومة، وأغلب أخواتها الأخريات من بنات الإمام الكاظم عليه السّلام أحد الشواهد على الظلم والإرهاب الذين تعرّض لهما أهل البيت عليهم السّلام في زمن العبّاسيين عامّة، وفي عصر الرشيد على وجه الخصوص.
المرقد الطاهر
حرم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) هو القلب النابض لمدينة قم المقدسة، ومهوى الأفئدة، حيث في كل يوم من قبل طلوع الفجر وإلى ما بعد منتصف الليل في حركة دائبة مستمرة، والناس يغدون ويروحون بين متعبّد، وزائر، ومصلٍّ، وقارئ للقران، وطالب علم.
ويضمّ الحرم الشريف عدداً كبيراً من قبور العلماء والأولياء والصّالحين، دفن أصحابها بجوار السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، كما دفن في داخل الحرم عدد من العلويات وغيرهن، وكانت قبورهنّ متميزة تحت قبّتين، وأمّا اليوم فيضمهنّ ضريح واحد تحت قبّة واحدة، ولا يتميز من تلك القبور إلاّ مرقد السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) وقد وضع عليه صندوق خشبي.
وذكر صاحب كتاب تاريخ قم ص 214 أنّ القبة الأولى تضمّ قبر السيدة المعصومة (عليها السلام)، وقبر أم محمد بنت موسى الكاظم أخت محمد بن موسى الكاظم ، وقبر أم إسحاق جارية محمد بن موسى الكاظم، وتضم القبة الثانية قبر أم حبيب جارية أبي علي محمد بن أحمد بن الرضا ، وكانت هذه الجارية هي والدة أم كلثوم بنت محمد، وقبر أم موسى بنت علي الكوكبي، وقبر ميمونة بنت موسى أخت محمد بن موسى الكاظم . كما دفن جمع من البنات الفاطميات والسادات الرضوية في هذه البقعة المباركة، كميمونة بنت موسى بن جعفر ، وزينب وأم محمد، وميمونة بنات الإمام الجواد .
هذا وقد مرّ حرم السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) في عمارته بمراحل عديدة حتى بلغ ما هو عليه اليوم من الوالقدسية والعظمة.
ولله درّ القائل:
يا بنتَ موسى وابـنةَ الأطهـارِ، أختَ الـرضـا وحبيبةَ الجبّارِ
يـا دُرّةً مِن بحـر عِلمٍ قد بَدَتْ، للهِ دَرُّكِ والـعـلوّ السـاري
أنتِ الـوديعةُ للإمام على الورى، فخر الكريم وصاحب الأسرارِ
لا زلتِ يا بنت الهدى معصومةً، مِن كلّ ما لا يَرتـضيه الباري
مَن زار قبرَكِ في الجِنان جزاؤهُ، هذا هو المنصوصُ في الأخبارِ
المصدر:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D8%A7%D8%B7%D9%85%D8%A9_%D8%A8%D9%86%D8%AA_%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B8%D9%85